وافق الاتحاد الأوروبي على تفاصيل قانون الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن مجموعة واسعة النطاق من القواعد من أجل الأشخاص الذين يبنون الذكاء الاصطناعي ويستخدمونه، ويأمل المشرعون أن يضع القانون التاريخي خطة عمل لبقية العالم.
وأمضى المشرعون – بعد أشهر من النقاش بخصوص كيفية تنظيم شركات، مثل OpenAI، من الفروع الثلاثة لحكومة الاتحاد الأوروبي؛ وهي البرلمان والمجلس والمفوضية – أكثر من 36 ساعة في المجمل في مناقشة التشريع الجديد.
ويتعرض المشرعون لضغوط من أجل التوصل إلى اتفاق قبل بدء حملة انتخابات البرلمان الأوروبي في العام الجديد.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية: “يعد قانون الاتحاد الأوروبي بشأن الذكاء الاصطناعي الأول من نوعه على مستوى العالم، إذ إنه يشكل إطارًا قانونيًا فريدًا من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي الموثوق، ومن أجل السلامة والحقوق الأساسية للأشخاص والشركات”.
ولا يعد القانون بحد ذاته الأول من نوعه في العالم، إذ دخلت القواعد الصينية الجديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي في شهر أغسطس حيز التنفيذ، مع أن قانون الاتحاد الأوروبي من أجل الذكاء الاصطناعي هو القواعد الشاملة من نوعها في مجال التكنولوجيا.
ويتضمن قانون الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي فرض منع على أنظمة القياسات الحيوية التي تحدد الأشخاص الذين يستخدمون خصائص حساسة، مثل التوجه الجنسي والعرق، والمسح العشوائي للوجوه من الإنترنت.
واتفق المشرعون أيضًا على أن سلطات تطبيق القانون يجب أن تكون قادرة على استخدام أنظمة تحديد الهوية البيومترية في الأماكن العامة في جرائم معينة.
ويتضمن القانون أيضًا متطلبات الشفافية الجديدة من أجل جميع نماذج الذكاء الاصطناعي للأغراض العامة، مثل GPT-4، وقواعد قوية من أجل النماذج القوية جدًا.
وقال دراجوس تيودوراش، عضو البرلمان الأوروبي: “يضع قانون الذكاء الاصطناعي قواعد من أجل نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة والقوية، مما يضمن أنها لا تشكل مخاطر نظامية على الاتحاد”.
ويمكن فرض غرامات على الشركات التي لا تلتزم بالقواعد بنسبة تصل إلى 7 في المئة من حجم مبيعاتها العالمية.
ويدخل حظر الذكاء الاصطناعي الممنوع في غضون ستة أشهر حيز التنفيذ، في حين تدخل متطلبات الشفافية في غضون 12 شهرًا حيز التنفيذ، على أن تدخل مجموعة القواعد الكاملة في نحو عامين حيز التنفيذ.
ويشمل القانون أيضًا تدابير مصممة من أجل تسهيل حماية أصحاب حقوق التأليف من الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ تتطلب أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات الأغراض العامة شفافة بشأن استخدامها للطاقة.
وقال تييري بريتون، المفوض الأوروبي في مؤتمر صحفي: “أوروبا تضع نفسها في موقع الريادة، واعية بأهمية دورها بصفتها واضعة عالمية للمعايير”.
وكان المشرعون يتفاوضون على مدار عامين بشأن القواعد المتفق عليها الآن، وقد تغيرت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والمخاوف الرئيسية بشأنها بشكل كبير.
وكان صناع السياسات قلقين في شهر أبريل 2021، أي عند وضع قانون الذكاء الاصطناعي، بشأن الخوارزميات الغامضة التي تُقرر من قد يحصل على وظيفة، أو قد يحصل على اللجوء، أو يحصل على مزايا اجتماعية.
وكانت هناك أمثلة بحلول عام 2022 على أن الذكاء الاصطناعي كان يؤذي الناس، وارتبطت القرارات التي اتخذتها الخوارزميات بفصل الأُسر قسرًا عن أطفالها في فضيحة هولندية، في حين زعم الطلاب الذين يدرسون من بُعد أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ميزتهم على أساس لون بشرتهم.
وأصدرت OpenAI في شهر نوفمبر من عام 2022 روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي ChatGPT، مما أدى إلى تغيير جذري في النقاش.
وأثارت القفزة في مرونة الذكاء الاصطناعي وشعبيته قلق بعض خبراء الذكاء الاصطناعي، الذين أجروا مقارنات مبالغ فيها بين الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية.
تدور إحدى المناقشات الرئيسية في مفاوضات قانون الذكاء الاصطناعي في بروكسل حول كيفية تنظيم صانعي النماذج التأسيسية، وهي نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة التي يمكن استخدامها لإنشاء تطبيقات جديدة. فيعتقد بعضهم أن هذه النماذج هي مصدر المشكلات المحتملة في الذكاء الاصطناعي، ومن ثمّ يجب تنظيمها بشكل صارم. ويعتقد آخرون أنه يجب التركيز بدلًا من ذلك على الشركات التي تستخدم هذه النماذج لإنشاء تطبيقات ذكاء اصطناعي جديدة.
وأعرب ممثلو صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي في أوروبا عن حذرهم من تنظيم النماذج التأسيسية، موضحين أن ذلك قد يعوق الابتكار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في الاتحاد الأوروبي.
وكانت نقطة الخلاف الرئيسية خلال المناقشات النهائية هي هل يجوز السماح لوكالات القانون باستخدام تعرف الوجه أو أنواع أخرى من القياسات الحيوية من أجل تحديد هوية الأشخاص إما في الوقت الفعلي أو بأثر رجعي، أم لا.
ويوضح دانييل لوفر، كبير محللي السياسات في مجموعة الحقوق الرقمية Access Now، أن تحديد الهوية البيومترية في الوقت الفعلي قد يحدد هوية الشخص الذي يقف في محطة قطار الآن باستخدام خلاصات الكاميرا الأمنية المباشرة، في حين يمكن لتحديد الهوية البيومترية بأثر رجعي معرفة أن الشخص نفسه زار محطة القطار، أو أحد البنوك يوم أمس، باستخدام الصور أو مقاطع الفيديو المخزنة سابقًا.
وأشار لوفر إلى أنه يشعر بخيبة أمل بسبب الثغرات في تطبيق القانون التي يبدو أنها مضمنة في النسخة النهائية من القانون.
وألقت استجابة للمنظمين الأوروبيين البطيئة بخصوص ظهور عصر وسائل التواصل الاجتماعي بظلالها على المناقشات.
وانقضى نحو 20 عامًا بين إطلاق فيسبوك وإقرار قانون الخدمات الرقمية الذي دخل هذا العام حيز التنفيذ.
واضطر الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت إلى التعامل مع المشكلات التي صنعتها المنصات الأمريكية، في حين كانت غير قادرة على تعزيز منافسيها الأوروبيين ذوي الحجم الصغير.
وقال براندو بينيفي، أحد المفاوضين الكبار في البرلمان الأوروبي: “ربما كان بإمكاننا منع هذه المشكلات بشكل جيد من خلال التنظيم المبكر”.
وتتحرك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بسرعة، وقد يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل إمكانية تحديد إذا كان قانون الذكاء الاصطناعي ناجحًا في احتواء الجوانب السلبية لصادرات وادي السيليكون الحديثة.