لمدة تزيد عن عقدين من الزمن، سيطرت شركة جوجل على سوق البحث عبر الإنترنت، حيث أسست شركة تبلغ قيمتها 175 مليار دولار أمريكي وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الإنترنت.
وتواجه شركة جوجل، التي تسيطر على نحو 90% من سوق البحث العالمية، تحديات غير مسبوقة بسبب صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي (Gen AI) وبرمجيات الدردشة الآلية، مثل نموذج SearchGPT من OpenAI. ويفرض هذا التحول التكنولوجي ضغوطا هائلة على جوجل للتكيف أو المخاطرة بالاختفاء.
إن استثمار مايكروسوفت البالغ 13 مليار دولار في OpenAI وتعاون أبل لدمج ChatGPT في Siri يشكلان تحديًا كبيرًا لتفوق جوجل. وتجبر هذه التحركات جوجل على التصرف بشكل حاسم للحفاظ على مكانتها في السوق.
تاريخيًا، يُعزى نجاح جوجل إلى تصميمه سهل الاستخدام وخوارزمياته القوية، والتي جعلت استرجاع المعلومات أسرع وأسهل من المنافسين مثل ياهو. ومن خلال فهرسة كميات هائلة من البيانات بكفاءة، أصبح جوجل محرك البحث المفضل للمستخدمين.
ومع ذلك، ومع تطور شبكة الإنترنت وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأ نموذج البحث الثوري الذي ابتكرته جوجل في إظهار علامات التقدم في السن.
يمكن للأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي إنشاء إجابات مباشرة لاستفسارات المستخدم، مما يلغي الحاجة إلى البحث بين روابط متعددة – وهي السمة المميزة لمحركات البحث التقليدية.
إن هذا التحول في سلوك المستخدم يشكل تهديدًا كبيرًا للنموذج الراسخ الذي تتبناه شركة جوجل. فما كان في السابق أعظم نقاط قوتها ــ البساطة ــ أصبح يشكل عبئًا مع إعادة تشكيل منصات الذكاء الاصطناعي لكيفية وصول الناس إلى المعلومات.
وتكتسب الشركات الناشئة المنافسة، مثل شركة بيربليكسيتي، وهي شركة ناشئة تقدر قيمتها بمليار دولار ويدعمها مؤسس أمازون جيف بيزوس، زخماً متزايداً. وتوفر أدوات الذكاء الاصطناعي هذه تجارب مستخدم مبسطة من خلال تقديم إجابات مباشرة بدلاً من قوائم الروابط، وهو ما قد يجذب المستخدمين بعيداً عن خدمة البحث التقليدية التي تقدمها جوجل. كما أن وجود إعلانات مزعجة في نتائج بحث جوجل يزيد من تعقيد تجربة المستخدم، مما يجعل البدائل أكثر جاذبية.
اقرأ أيضاً: قاض يمنح الجهات التنظيمية الأمريكية مهلة حتى ديسمبر لاقتراح عقوبات على احتكار جوجل غير القانوني للبحث
ويمثل هذا التحول تهديدًا جوهريًا لنموذج الأعمال الأساسي لشركة جوجل، والذي يعتمد بشكل كبير على عائدات الإعلانات.
في الربع الثاني من هذا العام، حقق محرك بحث جوجل وحده 48.5 مليار دولار من إجمالي إيرادات ألفابت البالغة 84.7 مليار دولار.
وعلاوة على ذلك، فإن اتفاقيات الترخيص بين OpenAI والناشرين الرئيسيين مثل Financial Times وAssociated Press قد تحد من توفر المحتوى على Google، مما يقوض هيمنتها بشكل أكبر.
كانت العلاقة بين جوجل ومنشئي المحتوى متوترة في كثير من الأحيان، حيث أعرب العديد من الناشرين عن إحباطهم بشأن كيفية استخدام محتواهم. وقد يبحث المستخدمون عن المعلومات في مكان آخر إذا حصلت منصات الذكاء الاصطناعي على صفقات حصرية، مما يقلل من القيمة المقترحة من جوجل.
ورغم هذه التحديات، تعاملت جوجل مع صعود جيل الذكاء الاصطناعي بحذر. وفي حين بدأت الشركة في دمج ميزات الذكاء الاصطناعي، مثل ملخصات نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي، في أعلى نتائج البحث، يزعم المنتقدون أن تركيزها على حماية احتكارها للبحث والإعلان أدى إلى استراتيجية متحفظة فيما يتصل بتطوير الذكاء الاصطناعي.
تظل أعمال البحث الخاصة بشركة جوجل من الأصول المربحة، ويبدو أن الشركة مترددة في اتخاذ أي خطوات من شأنها تهديد مصادر إيراداتها الحالية.
والسؤال الملح هنا هو ما إذا كان ينبغي لشركة جوجل أن تحذو حذو شركة OpenAI من خلال تأمين المزيد من صفقات الترخيص مع الناشرين. ومع ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات قد تستلزم تكاليف كبيرة. ففي عام 2020، تعهدت شركة جوجل بدفع مليار دولار لمقدمي الأخبار على مدى ثلاث سنوات، وقد تؤدي النفقات المحتملة المتعلقة بانتهاكات حقوق النشر إلى زيادة الضغوط على مواردها المالية.
وعلى صعيد الأجهزة، تتمتع جوجل بميزة مع هواتف Pixel 9 الذكية التي أصدرتها مؤخرًا، والتي تتميز بـ Gemini، المساعد الشخصي للذكاء الاصطناعي من جوجل. ويوضح هذا التكامل كيف يمكن لشركة جوجل دمج الذكاء الاصطناعي في أجهزتها، مما قد يضع معايير صناعية لمصنعي أندرويد مثل سامسونج وشاومي.
في المقابل، طورت شركة أبل نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، Apple Intelligence، والذي تم تصميمه في المقام الأول لخصوصية المستخدم والعمل على الأجهزة وليس من خلال الأنظمة المستندة إلى السحابة.
ولكي تتمكن جوجل من استغلال قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على أكمل وجه، يتعين عليها أن تعالج قضايا تنظيمية أعمق. ورغم أن ثقافة الاستقلال الذاتي تشكل نقطة قوة للشركة، فإنها قد تعوق تنفيذ الاستراتيجية المتماسكة. وسوف يحتاج الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي إلى توحيد الفرق المتنوعة ــ تلك التي تدير البحث، ومنصات الحوسبة، والذكاء الاصطناعي ــ تحت رؤية واحدة.
إن قدرة جوجل على الابتكار ستكون حاسمة، خاصة مع تطور البحث الصوتي. يبحث المستخدمون بشكل متزايد عن طرق أسرع وأكثر بديهية للوصول إلى المعلومات، ويسهل البحث الصوتي هذا من خلال السماح بالاستعلامات باللغة الطبيعية. ومع انتشار مكبرات الصوت الذكية والهواتف الذكية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، يتعين على جوجل ضمان أن تقود تكنولوجيتها هذه التغييرات.
اقرأ أيضاً: هيئة تنظيمية في المملكة المتحدة تقول إن جوجل تسيء استخدام سلطتها على إعلانات المواقع الإلكترونية